مع التسارع الكبير في تقنيات تصنيع المعادن، يشهد قطاع التعدين تحولًا نوعيًا نحو مزيد من الذكاء والاستدامة. فقد باتت التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، والتحليل الجيولوجي الرقمي، وإنترنت الأشياء (IoT) عناصر أساسية في تحسين كفاءة العمليات التشغيلية، وتعزيز القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة، وضمان الالتزام الكامل بمتطلبات الرخص والأنظمة التنظيمية.
هذا التقدم التقني لا يعزز فقط الإنتاجية، بل يدعم أيضًا التحول نحو تعدين مستدام، آمن، وشفاف على امتداد سلسلة القيمة.
وفي المملكة العربية السعودية تسعى وزارة الصناعة والثروة المعدنية بالتعاون مع الشركة السعودية لخدمات التعدين (إسناد) إلى إدخال حلول تكنولوجية متقدمة تُسهم في تحسين كفاءة العمليات وتقليل الأثر البيئي، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
كيف تساهم التكنولوجيا في تحسين قطاع التعدين وفقًا لمتطلبات الرخص التعدينية؟
تُعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في الارتقاء بقطاع التعدين، حيث تُمكّن من تحسين الكفاءة التشغيلية، وتقليل المخاطر، وتعزيز الامتثال لمتطلبات الرخص التنظيمية. وفيما يلي أبرز الابتكارات التقنية المستخدمة في هذا المجال:
-
الذكاء الاصطناعي (AI) في تحليل البيانات الجيولوجية
تعتمد شركات التعدين المتقدمة على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الجيولوجية بدقة عالية، ما يُسهم في تحديد المناطق الغنية بالمعادن بكفاءة أكبر. كما يساعد الذكاء الاصطناعي في تقليل الأخطاء الجيولوجية، والتنبؤ بجودة الخامات، والحد من الفاقد في عمليات الحفر والاستخراج، مما يعزز من التوافق مع متطلبات الرخص التنظيمية ويرفع من كفاءة واستدامة سلسلة القيمة التعدينية. -
إنترنت الأشياء (IoT) لمراقبة المناجم في الوقت الفعلي
تُستخدم تقنيات إنترنت الأشياء في مراقبة عمليات التعدين لحظيًا عبر مستشعرات رقمية متصلة بالشبكات الذكية، توفر بيانات دقيقة حول معايير السلامة مثل درجات الحرارة، الضغط، والمياه الجوفية. كما تتيح التحكم عن بُعد في المعدات، مما يقلل من المخاطر البشرية ويُعزز الجاهزية التشغيلية في البيئات الصعبة. -
الطائرات المسيّرة (Drones) لاستكشاف مواقع التعدين
تسهم الطائرات المسيّرة في تسريع عمليات الاستكشاف من خلال تصوير المناطق وتحليل خصائص التربة بدقة تفوق الطرق التقليدية. وتُستخدم هذه التقنية في إنشاء خرائط ثلاثية الأبعاد (3D Mapping) للمناجم، ما يُحسّن من جودة التخطيط وفعالية الاستخراج، فضلاً عن تمكين تقييم الأثر البيئي بدقة عالية قبل وأثناء تنفيذ المشاريع. -
الروبوتات في عمليات التعدين الآلي
تُستخدم الروبوتات الذكية في عمليات الحفر والتفجير داخل المناجم للحد من الاعتماد على العنصر البشري في البيئات عالية الخطورة، مما يُعزز من مستويات السلامة. كما تُساهم هذه التقنيات في تحليل ومعالجة الخامات المعدنية بسرعة ودقة أعلى، ما يؤدي إلى تقليل التكاليف التشغيلية وزيادة الإنتاجية بشكل ملموس.
دور التكنولوجيا في دعم الامتثال لمعايير الرخص التعدينية
تمثل التقنيات الحديثة عنصرًا محوريًا في تعزيز الامتثال لمتطلبات الرخص التعدينية، من خلال أدوات ذكية تضمن الالتزام البيئي، وتحسين بيئة العمل، وتيسير الإجراءات التنظيمية. وتبرز أهم مجالات هذا الدعم فيما يلي:
-
تحسين الالتزام البيئي
تُستخدم الأنظمة الرقمية لمراقبة التأثير البيئي لعمليات التعدين، بما يضمن التوافق مع المعايير التنظيمية المعتمدة. وتسهم التقنيات الحديثة في تقليل الانبعاثات الكربونية، وترشيد استهلاك المياه والطاقة، إلى جانب تطبيق حلول إعادة التدوير للاستفادة القصوى من الموارد وتقليل النفايات، مما يعزز من استدامة العمليات ويعكس التزامًا بيئيًا فعّالًا. -
تعزيز بيئة العمل الآمنة والحد من الحوادث المهنية
تسهم أجهزة الاستشعار المتقدمة في رصد المؤشرات الخطرة داخل المناجم بشكل لحظي، ما يساعد في الكشف المبكر عن احتمالية وقوع حوادث مثل الانهيارات أو التسربات الكيميائية. كما يتم تدريب العاملين على استخدام هذه التقنيات، مما يرفع مستوى الجاهزية والاستجابة السريعة للطوارئ. وفي هذا الإطار، يُعد الواقع الافتراضي (VR) أداة تدريب فعالة تتيح للعاملين التعرف على بيئة العمل وإجراءات السلامة في محاكاة واقعية دون تعريضهم لأي مخاطر فعلية. -
تسريع عمليات إصدار وتجديد الرخص التعدينية
أحدث التحول الرقمي نقلة نوعية في إدارة التراخيص التعدينية، من خلال أتمتة الإجراءات وتبسيطها، مما يُسهم في تقليل الوقت والجهد اللازمين للإصدار والتجديد، ويعزز من الشفافية وسرعة الإنجاز.كما تُوظف أنظمة التتبع الرقمي لمراقبة مدى الامتثال لمتطلبات الرخص والالتزام بالمعايير الفنية والبيئية بشكل مستمر. وتتكامل هذه الأنظمة مع تقارير ذكية تتيح متابعة دقيقة لأداء الشركات وتحليل أنشطتها، ما يدعم اتخاذ قرارات رقابية أكثر دقة، ويُعزز موثوقية الامتثال في القطاع بأكمله.
دور “إسناد” في تعزيز التحول التقني بقطاع التعدين
تُسهم شركة إسناد بدور محوري في دفع عجلة التحول الرقمي داخل قطاع التعدين في المملكة، من خلال تقديم حلول تقنية مبتكرة تُعزز الكفاءة التشغيلية، وتسهم في الامتثال للمعايير التنظيمية والفنية. ويتجلى ذلك من خلال عدة مبادرات رئيسية:
-
تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لإدارة الرخص التعدينية
تُقدم إسناد حلولًا رقمية متقدمة تُمكّن من تحليل طلبات الرخص التعدينية بسرعة ودقة، مما يُسهم في تسهيل عمليات التقديم والمراجعة. كما تعمل الشركة على تطوير أنظمة توقيع إلكتروني تتيح تسريع إجراءات الموافقة، وتحقيق تكامل إلكتروني شامل بين مختلف مراحل معالجة الرخص، بما يدعم التحول الرقمي الكامل للمنظومة التنظيمية في القطاع. -
دعم الأتمتة في عمليات التعدين
تُقدّم إسناد خدمات استشارية متخصصة لمساعدة الشركات على تبني التكنولوجيا الذكية في مختلف مراحل عمليات التعدين، بما يعزز الكفاءة التشغيلية ويُسهم في تحقيق أهداف الاستدامة. كما تعمل الشركة على أتمتة عمليات الفحص البيئي لضمان توافق المشاريع مع المعايير البيئية المعتمدة وتقليل الأثر البيئي بشكل فعّال. -
تعزيز مراقبة الامتثال باستخدام أنظمة رقمية
في إطار التزامها برفع جودة الأداء والامتثال التنظيمي، تطبّق إسناد أنظمة مراقبة رقمية متقدمة تُمكّن من تتبّع مراحل سلسلة التعدين بشكل دقيق. وتدعم هذه الأنظمة بإعداد تقارير تحليلية شاملة تُستخدم لتحسين الأداء التشغيلي، وتعزيز التزام الشركات بالمعايير الفنية والبيئية المعتمدة في المملكة.
أبرز التحديات في دمج التقنية في قطاع التعدين
رغم الفوائد الكبيرة لتبني التقنية في قطاع التعدين إلا أن هناك تحديات عدة تواجه هذا التحول تتمثل أبرز هذه التحديات في التكاليف الأولية المرتفعة لشراء المعدات الذكية وتطوير الأنظمة الرقمية إلى جانب الحاجة الماسّة لتدريب العاملين على استخدام هذه التقنيات بفعالية.
كما أن التكيف مع اللوائح الجديدة التي تشترط استخدام حلول ذكية لرفع كفاءة العمليات يمثل تحديًا إضافيًا يتطلب استعدادًا مؤسسيًا عاليًا وفي المقابل يُعد تقديم الحوافز الحكومية للشركات التي تعتمد التكنولوجيا النظيفة خطوة ضرورية لدفع عجلة التغيير، إلى جانب تطوير برامج تدريبية متخصصة في التقنيات الذكية للعاملين في القطاع.
ويبقى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص عاملًا محوريًا لتسريع تبني الابتكارات الرقمية وتجاوز العقبات المرتبطة بالبنية التحتية والموارد البشرية.
أصبحت التقنية اليوم ركيزة أساسية في تطوير قطاع التعدين في المملكة العربية السعودية، حيث تسهم التقنيات الذكية في رفع كفاءة العمليات، وتعزيز الامتثال لمعايير الرخص التعدينية، وضمان إدارة مستدامة للموارد المعدنية، إلى جانب تحسين الإنتاجية ورفع مستويات السلامة التشغيلية.
